admin الإدارة
الجنس : الابراج : عدد الرسائل : 309 تاريخ الميلاد : 12/06/1985 العمر : 39 العمل/الترفيه : التصميم والمونتاج المزاج : الحمد الله تمام رقم العضوية : 1 السٌّمعَة : 20 نقاط الترشيح : 491 تاريخ التسجيل : 27/07/2007
| موضوع: الخـوف من المسـتقبـل.. فما عـلاجـه؟ الثلاثاء مايو 03, 2011 3:36 am | |
|
آفـة العصـر الخـوف من المسـتقبـل.. فما عـلاجـه؟ الحمد الله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله ومن والاه أما بعد.. فإن الواقع ينطق بأنه تسرى بين عدة شرائح من المجتمع مشاعر الإحباط والانكفاء على الذات والخوف من المستقبل والحيرة والاكتئاب والعبوس والقلق المؤدى إلى الأرق وانفصام الشخصية والأمراض العصبية والهروب من الواقع والتفكير فى الانسحاب من هذا الوطن والبحث عن حياة أفضل فى مجتمع آخر. ويبدو ذلك فى عدة مظاهر أو ظواهر من السخط والغضب والنقد الذى قد يتحول إلى حقد وضغينة يمكن أن تتحول إلى طاقة مدمرة للنفس وللغير. وما نشاهده من أعمال العنف واختلال القيم بين الأبناء والآباء والأمهات وبين الزوج والزوجة وبين زملاء العمل إلا بعض آثار هذه المشاعر اليائسة، والباحثون والمثقفون حائرون فى تشخيص الداء وفى كيفية العلاج بحيث لا نجد وصفا للحالة إلا ما ورد من أنها فتنة تدع الحليم حيران. لا أحد سعيد بعمله ولا بوضعه المادى ولا بمكانته المعنوية والبحث دائب ومستمر لدى الجميع فى محاولة تغيير الواقع ولو بالطرق الخسيسة والدروب الملتوية من الكيد والمؤامرة والكسب الحرام، بل إن السخط قد وصل إلى الاعتراض على ما لا صلة للمرء فيه من الخلقة أو الحقبة العمرية وصدق فيهم قول العقاد: صغير يطلب الكبرا وشيخ ود لو صغرا وخال يشتهى عملا وذو عمل به ضجرا ورب المال فى تعـب وفى تعب من افتقرا والباحث فى كتاب الله وسنة نبيه يجد التعليل الصحيح والسبب الحقيقى لكل تلك الظواهر بل ويجد كذلك الدواء الناجع.. إن العلة الصحيحة هى انسحاب نور الإيمان من القلوب.. الإيمان بجميع عناصره.. بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره حلوه ومره.. وقد يجد بعض المنغمسين فى مطالب الدنيا أن ذلك تهويم فى عالم الخيال أو تهويل وسوء ظن بما فى النفوس.. بل قد يقول كيف تحكم على ما فى الصدور مع أن الله وحده هو العليم بذات الصدور.. وحتى أنزع هذا الخاطر أحيل القاريء العزيز إلى قاعدة منطقية عقلية هى أن الأثر يدل على المسير والسلوك ينبيء عن المخبوء فهل يمكن أن نتصور مؤمنا بقدرة الله التى لا يعجزها شيء فى الأرض ولا فى السماء أنه إذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون ثم نراه يائسا من إمكانية التغيير مرتبا ما سيحدث فى المستقبل على ما يراه فى الحاضر؟ وهل يمكن أن نحكم على إنسان بأنه يؤمن بأن الله يراه ويراقبه فى كل قول أو عمل ونحن نراه يختلس أو يدبر المكائد أو ينافق البشر وهل يمكن أن يتوافق إيمان امريء بأن عمره ممتد بعد موته حتى يتحدد مصيره إما إلى جنة أو نار ثم نراه يركز كل جهده على تحسين مستواه المادى فى الدنيا ولو على حساب الآخرين دون أن يعمل حسابا للآخرة؟ وهل يمكن أن يصيب مؤمنا جزع يفقده توازنه متغافلا عن إيمانه بالقدر؟ وكيف نفهم ما يتردد على الساحة من طرح أسئلة كثيرة على العلماء تعتمد على نظرية «ضمان المستقبل» والأمن من غوائل الدهر وغلاء الأسعار: فنرى من يخرج إلى المعاش ويتسلم المكافأة يتجه مباشرة إلى إيداعها بالبنوك ليحصل منها على دخل ثابت ينضم إلى المعاش فيضمن أن يعيش على المستوى المادى الذى كان عليه قبل إحالته، فإذا قلت له: ولماذا لا تستثمر هذه المكافأة بنفسك تفتح بها مشروعا يخدم أكثر من عامل تفتح به بيوتا وتضيف به إنتاجا وتشغل به وقتا تريد أن تضيعه بالكسل والمكث فى البيت المؤدى إلى اختلاق المشاكل الأسرية.. قال لك: إن فلانا فعل ذلك وخسر وأنا لست خبيرا فى التجارة ولا فى الصناعة ولا أستطيع أن أجازف فى هذا المناخ المتقلب اقتصاديا أريد أن أعيش بقية حياتى مستورا ثم نراه ينكر حق الفقير والمسكين فى هذا المال الذى أودعه فى البنك مستندا إلى بعض الآراء الشاذة متعللا بأن إخراج الزكاة سينقص الفائدة المترتبة على الإيداع مما يضطره إلى السحب من رأس المال وبعد عشر سنوات لن يبقى له فى البنك شيء.. هكذا دبر لنفسه الرزق وخاف من نفاد المال وامتد تفكيره إلى عشر سنوات غير آبه بمن لايجد قوت يومه! هل يستطيع أحد أن يوفق بين هذه الأفكار وبين قوله تعالي: «وما تدرى نفس ماذا تكسب غدا» وقوله: «ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها» وقوله: «وما من دابة إلا على الله رزقها» وقوله: ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب» وقوله: «ومن يتوكل على الله فهو حسبه» وقوله: « يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر» وتعبيره سبحانه عن السعى على الرزق بأنه ابتغاء لفضل الله كما قال سبحانه: «فإذا قضيت الصلاة فانتشروا فى الأرض وابتغوا من فضل الله» هل يمكن أن يكون نور الإيمان فى قلب هؤلاء كاشفا لحقائق الحياة؟ وهل يؤدى ذلك إلى الانتعاش الاقتصادى والقضاء على البطالة أو أنه سيزيد المتعطلين شخصا آخر يعتمد على المعاش والفائدة؟ إن هدف الإسلام من تحريم الكنز والربا أن يشجع على سيولة المال واستغلاله فيما ينفع الأمة، وعلى تشغيل الطاقات البشرية بأقصى جهد ممكن لصالح الفرد والجماعة، وإن التوكل على الله بعد دراسة الجدوى ونية النفع العام كفيلان بتحقيق الرزق الواسع الحلال. وإذا نظرنا إلى أثر هذا الضعف الإيمانى لدى الشباب فإننا نلتقى بنماذج عجيبة فالطالب بتكاسل عن التفوق لأن زميله الذى نجح بامتياز لم ينل حظه من العمل المناسب وإذن فلا فائدة فى بذل الجهد للوصول إلى هذا المستوى فالمستقبل معروف مقدما وما جاء هذا الشعور لديه إلا بقياسه المستقبل على الحاضر وكأن الحياة تسير على نمط واحد لايتغير ولا أثر لهيمنة القدر ولا لتدبير الله لشئون الكون!! والشباب الذى تخرج إن لم يجد وظيفة تناسب شهادته جلس فى بيت أبيه عالة عليه منتظرا الوظيفة الحكومية لأن دخلها ثابت يضمن به المستقبل معرضا عن الأعمال الحرة مستنكفا أن يعمل بيده متناسيا أن نبى الله الملك داود كان وهو ملك يعمل حدادا يأكل من عمل يده وأن جميع الأنبياء كانوا رعاة غنم!! فإذا انتقلنا إلى العلاقات الأسرية والاجتماعية، وجدنا الصراع قائما بين الرجل وزوجته على راتبها تارة وعلى من له الكلمة فى البيت تارة أخرى ووجدنا الإهمال والعقوق من الأبناء بحجة الانشغال فى العمل والسعى على الرزق والتنافس على جمع المال وتستخدم هذه الحجة أيضا فى قطيعة الرحم وإضاعة حق الجار، والتعامى عما يعانيه الينامى والفقراء.. إنه إذن السعار وإقحام المرء نفسه فى مجال أراحه الله منه حين طمأنه على رزقه كما يرزق الطير وحين تكفل سبحانه بأن يكون فى عونه ما دام فى عون أخيه وحين وعده بسعة الرزق والبركة فى العمر إذا وصل رحمه، وأن الإيمان ليس كلمة تقال، وليس ادعاء بأنه علاقة بين العبد وربه وإنما الإيمان شجرة يظهر أثرها ثمرا يرى ويشاهد، وينفع ويفيد.. إنه ما وقر فى القلب وصدقه العمل وإن أناسا قالوا نحسن الظن بالله، وكذبوا، لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل.. قوة الإيمان إذن هى التى تطرد الهموم وتنير الطريق وتوازن بين مكاسب الدنيا وجزاء الآخرة، هى التى تعيد التراحم والتواصل والأنس، وهى التى تصنع الرواج الاقتصادى وتعيد الثقة فى غد أفضل وتحفز الهمم للتفوق والتسامي، وتهذب الأخلاق وتوقظ الضمائر وتقضى على النهب والاختلاس وتشيع المتعة والأمان وتحقق للأمة الحياة الطيبة كما تحدث القرآن: «من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون».
بقلم: أ.د. محمد المختار محمد المهدى الرئيس العام للجمعية الشرعية عضو مجمع البحوث الإسلامية
| |
|